صار استراتيجية التحول الرقمي (Digital Transformation) ضرورة لكل مؤسسة ترغب البقاء في السوق. ومع تطور التكنولوجيا، تتطور الأعمال والمؤسسات أيضا. ولم يعد السؤال “هل يجب أن تتحول الشركات؟”، بل أصبح “بأي طريقة ينبغي أن تتحول؟”. وعليه تتبنى المؤسسات الناجحة التقنيات الرقمية، لأنها تدرك أهميتها في توليد قيمة أكبر للعملاء، وتوفير بيئة مناسبة للموظفين لتحقيق النجاح المستدام.
أهم ما جاء في هذا المقال
- التحول الرقمي هو استراتيجية شاملة لحل التحديات التقليدية التي تواجهها المؤسسة وخلق فرص جديدة من خلال إدماج التكنولوجيا الرقمية الحديثة في عملياتها.
- يتعلق التحول الرقمي بالابتكار وتبسيط العمليات وتحسين تجربة العملاء وزيادة كفاءة المؤسسات.
- التحول الرقمي يشمل أيضًا تطوير مهارات الموظفين وتمكينهم من استخدام التكنولوجيا بشكل أكثر فاعلية في العمليات اليومية.
- توجد خمسة أسباب رئيسية تجعل التحول الرقمي ضروريًا للمؤسسات اليوم: مواكبة توقعات العملاء، تحسين الكفاءة، توفير التكاليف، تعزيز الأمان، وزيادة الرشاقة.
- المجالات الرئيسية للتحول الرقمي تشمل: تجربة العملاء، العمليات التشغيلية، ونماذج الأعمال.
- التحول الرقمي يتجلى بشكل مختلف في مجالات مختلفة مثل التصنيع، الخدمات المالية، والرعاية الصحية.
- قبل بناء استراتيجية التحول الرقمي، ينبغي اعداد وتهيئة البيئة الرقمية في المؤسسة.
- مراحل تنفيذ التحول الرقمي تشمل: التقييم، ووضع الاستراتيجية، والتنفيذ، والتكيف والتحسين.
- التقنيات المستخدمة في التحول الرقمي تشمل الذكاء الصناعي، إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية.
ما هو التحول الرقمي (Digital Transformation)؟
كانت الشركات قبل التحول الرقمي وحتى السنوات الماضية تعمل بشكل أكثر تشتتا. يتخلله اتصال محدود مع العملاء واعتماد على العمليات اليدوية التقليدية. وهو ما جعل المؤسسات تتوجه نحو التحول الى الرقمنة. ليشكل هذا الانتقال ثورة في طريقة عملها؛ من تعزيز في الكفاءة والاتصال والابتكار والمرونة في شتى العمليات بما يتناسب مع العصر الرقمي الحديث.
إن التحول الرقمي هو استراتيجية شاملة تطبق في جميع المجالات لحل التحديات التقليدية للأعمال وخلق فرص جديدة. من خلال الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية الحديثة. لا يقتصر هذا التحول على مجرد ترقية العمليات القائمة. بل يتعلق بالاستفادة من التكنولوجيا للابتكار وتبسيط العمليات وتحسين تجربة العملاء. الأمر الذي يحسن من كفاءة المؤسسة ويعزز من قدرتها على المنافسة. فهو استثمار في الفكر وتغيير السلوك لإحداث تحول جذري في طريقة العمل. عن طريق الاستفادة من التطور التقني الكبير الحاصل لخدمة المستفيدين بشكل أسرع وأفضل.
ما أهميته؟
تختلف أسباب توجه المؤسسات نحو التحول الرقمي حسب أهدافها الخاصة. إلا أن الغرض الأساسي من أي من التحولات الرقمية هو تحسين العمليات الحالية والزيادة من فعاليتها في التنفيذ. فكل مؤسسة يجب أن تواكب التطور لتواجه منافسيها؛ انها مسألة بقاء!
وهنا نذكر خمسة أسباب تجعل من الثورة الرقمية أمر ضروري:
1. مواكبة توقعات العملاء
ارتفعت توقعات العملاء مع تطور التكنولوجيا الرقمية. يتوقع العملاء الآن من الشركات توفير تجارب سلسة عبر عدة قنوات. على سبيل المثال إذا كان لديك موقع الكتروني، فيجب عليك التفكير في تطوير تطبيق للحفاظ على عملائك والفوز بعملاء جدد.
2. تحسين الكفاءة
يمكن أن يحسن الانتقال الى الرقمنة كفاءة العمل بشكل كبير من خلال الأتمتة (Automation)، وتقليل الأخطاء وتحسين الإنتاجية. من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. للحصول على رؤى حول سلوك العملاء من أجل فهم حاجاتهم أكثر وتوفير الحلول المناسبة لهم.
3. توفير التكاليف
يمكن للتحول الرقمي أن يساعد الشركات في توفير التكاليف من خلال تقليل العمل اليدوي وتبسيط العمليات. على سبيل المثال، من خلال اعتماد التخزين السحابي (Cloud Storage)، يمكن للشركات توفير تكاليف الأجهزة وتقليل الحاجة إلى تخزين مادي.
4. تعزيز الأمان
يمكن للتحول الرقمي أيضًا أن يساعد في تعزيز من أمن الشركة. من خلال تمكينها من اعتماد تدابير أمان متقدمة التشفير، وتقسيم الشبكة. وهو ما يساعد المؤسسات في حماية بياناتها من الهجمات الإلكترونية المحتملة. وأيضا في تقليل خطر انتهاك البيانات.
5. زيادة المرونة
يمكن للتكنولوجيا الرقمية أن تجعل الشركات أكثر مرونة وقابلية للتكيف. مما يتيح لها الاستجابة بسرعة لتغيرات السوق واحتياجات العملاء. يمكن أن يمنحهم ذلك ميزة تنافسية على الشركات التي تتأخر في التكيف. فعلى سبيل المثال، تمكنت المؤسسات الرشيقة والقادرة على التكيف السريع على الصمود أثناء جائحة كوفيد-19. بل منها من جعلتها فرصة لاقتحام أسواق جديدة وزيادة الأرباح.
ما هي المجالات الرئيسية للتحول الرقمي في المؤسسات؟
لا يقتصر التحول الرقمي على قطاع معين أو قسم معين في المؤسسة. بل هو استراتيجية شاملة تمتد لتشمل جميع مستويات العمل. حيث أصبحت التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من كل جانب من جوانبه. سواء كان ذلك في الإدارة اليومية، أو التواصل مع العملاء، أو تطوير السياسات والاستراتيجيات. لذلك ينبغي النظر إلى التحول كإعادة هيكلة شاملة لطريقة تفكير المؤسسة وتعاملها مع التكنولوجيا. حيث تجعل من التقنيات الرقمية أكثر من مجرد أدوات مساعدة، بل عبارة عن شريك فعال في تحقيق أهداف الشركة وإبراز تميزها في السوق.
وتسلط إدارة سلون لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT Sloan Management) الضوء على ثلاث مجالات رئيسية للتحول الرقمي في المؤسسات:
1. تجربة العملاء: من خلال العمل على فهمهم أكثر باستخدام التكنولوجيا لدعم نموهم، وإنشاء مزيد من نقاط اتصال العملاء (Touchpoints).
2. العمليات التشغيلية: تحسين العمليات الداخلية من خلال استغلال التحويل الرقمي والأتمتة وتمكين الموظفين بأدوات رقمية. علاوة على ذلك، جمع البيانات لمراقبة الأداء واتخاذ قرارات تجارية استراتيجية أكثر فاعلية.
3. نماذج الأعمال: تحويل الأعمال عن طريق إضافة العروض المادية بأدوات وخدمات رقمية، بالإضافة الى تقديم منتجات رقمية.
الرقمنة والتحول الرقمي، ما الفرق؟
تمثل الرقمنة (Digitalisation) تحويل البيانات التناظرية إلى شكل رقمي. مما يجعلها سهلة التخزين والوصول والمشاركة. والبيانات التناظرية هي أي معلومات تشغل مساحة، مثل صورة أو تسجيل صوتي. تحويل هذه المعلومات إلى شكل رقمي يعني أنه يمكن تخزينها والتعامل معها باستخدام الكمبيوتر. على سبيل المثال، تحويل الوثائق الورقية إلى ملفات إلكترونية جزء من عملية الرقمنة. بالتالي فإن الرقمنة لوحدها لا تغير بالضرورة من كيفية عمل الشركات ولكنها عبارة عن تحديث للعمليات.
من ناحية أخرى، التحول الرقمي عبارة عن مبادرة أوسع وأكثر استراتيجية تتجاوز الرقمنة. يستخدم التكنولوجيا لتغيير كيفية عمل المؤسسة جذريا من الأعلى إلى الأسفل. إنه تطوير العمليات للاستفادة من الفرص المقدمة من الوسائل الرقمية. يشمل ذلك تغيير طريقة العمل وخدمة العملاء وإدارة المؤسسة. على سبيل المثال، قد تنتقل الشركة من بيع المنتجات في متجر إلى البيع عبر الإنترنت فقط.
لا تحقق الرقمنة لوحدها تحولا رقميا، فهي بمثابة خطوة أولى ينبغي المرور بها في رحلة التحوّل الرقمي لكل مؤسسة.
استراتيجية التحول الرقمي
هي خطة مفصلة لاستخدام الحلول الرقمية لتحسين الجوانب الفعلية. يجدر ذكر أن الانتقال الرقمي هو بحد ذاته استراتيجية شاملة. وبالتالي فإن أساس استراتيجية التحول الرقمي هو تطوير خريطة لهذا التحول قد تكون قصيرة أو طويلة الأمد. وتكون موجهة قبل كل شيء بالأهداف المرجو تحقيقها. وقبل الشروع في بناء استراتيجية التحول الرقمي، ينبغي اعداد وتهيئة البيئة الرقمية في المؤسسة، يشمل ذلك ما يلي:
- قياس الإمكانيات الرقمية الحالية
- تحديد أفضل هيكل عمل للبيئة الرقمية
- تحديد المتطلبات لخطط الاستثمار
- تحديد عوائق التكامل الرقمي
- إدارة التغيير للتحول الرقمي
مراحل بناء استراتيجية التحول الرقمي
المرحلة الأولى: التقييم
تتضمن هذه المرحلة فحص نقاط القوة والضعف للمؤسسة فيما يتعلق بالتكنولوجيا والعمليات الحالية. يتم ذلك من خلال تحليل الأنظمة المستخدمة وتقييم كفاءتها. بالإضافة إلى فحص العمليات الداخلية وتحديد المجالات التي يمكن تحسينها باستخدام التحول الرقمي.
المرحلة الثانية: وضع الاستراتيجية
بناءً على التقييم السابق، يتم وضع استراتيجية متكاملة لتنفيذ التحول الرقمي. يتضمن ذلك تحديد الأهداف والأولويات وتحديد الموارد المطلوبة والجدول الزمني للتنفيذ.
المرحلة الثالثة: التنفيذ
بعد تحديد الاستراتيجية، يتم تنفيذ الخطة بشكل تدريجي ومتناسق. يشمل ذلك تطبيق التقنيات الرقمية الجديدة. وتدريب الموظفين على استخدامها، وتغيير العمليات الداخلية بما يتماشى مع الأهداف المحددة.
المرحلة الرابعة: التكيف والتحسين
بمجرد تنفيذ الخطة، يجب على المؤسسة البقاء متفتحة للتغيير والتحسين المستمر. يتطلب ذلك استمرار مراقبة الأداء وجمع البيانات، وتقييم النتائج مقابل الأهداف المحددة، واتخاذ إجراءات تصحيحية عند الضرورة. تعتمد هذه الخطوة على التكيف مع التغيرات في البيئة الخارجية وتلبية احتياجات العملاء بشكل فعال.
تقنيات استراتيجية التحول الرقمي
تشمل الأدوات والتقنيات المستخدمة في التحول الرقمي مجموعة واسعة ومتنوعة من الحلول التقنية التي تساهم في تعزيز الأداء وتحسين العمليات:
- الذكاء الصناعي (Artificial Intelligence)
- إنترنت الأشياء (Internet of Things)
- الطباعة ثلاثية الابعاد (3D Printing)
- البيانات الضخمة (Big Data)
- تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز (Virtual Reality & Augmented Reality)
- تقنية سلسسلة الكتل (Blockchain)
- الأمن السيبراني (Cyber Security)
- الحوسبة السحابية (Cloud Computing)
الأفكار الختامية
في النهاية، تواجه المؤسسات اليوم ضغوطًا هائلة لتحديث عملياتها ومواكبة التطورات الرقمية أكثر من أي وقت مضى. بحيث أصبحت القدرة على التكيف والتغيير من بنيتها العامل الذي يفصل المؤسسات ذات التفكير المستقبلي عن غيرها. فالتحول الرقمي ليس مجرد تحول تقني، بل هو تغيير شامل في الثقافة التنظيمية للمؤسسة، يتطلب استراتيجية واضحة والتزام مستمر بالتطوير والتحسين.
من اعداد: جميل قروش