تخيل سائلًا يمكنه التغيير من خصائصه في غضون ملي ثانية، هذا هو السائل القابل للبرمجة. في لحظة يتدفق كالماء، وفي اللحظة التالية يصبح سميكًا للغاية. بل يمكنه حتى أن يتحول من شفافية كاملة إلى سائل حاجب للضوء. ما نصفه هنا ليس بالخيال العلمي، بل هو آخر التطورات التي حققها باحثون من كلية جون أ.بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة هارفارد في مجال علم المواد. اذ قاموا ولأول مرة على الاطلاق بتطوير سائل قابل للبرمجة.
السوائل القابلة للبرمجة
“ما زلنا نكتشف إمكانيات هذا النوع الجديد من السوائل؛ باستخدام هذه المنصة الواحدة، يمكننا القيام بالعديد من الأشياء المختلفة في مجالات عديدة ومتنوعة.” هكذا صرح عادل جلولي، الباحث الجزائري المشارك في كلية علم المواد والهندسة الميكانيكية بجامعة هارفارد والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية حول الموضوع المنشورة في مجلة (Nature).
يشير اسم هذا السائل الرسمي (Programmable Meta-Liquid) الى طبيعته غير العادية حيث أن كلمة “ميتا” هنا كلمة يونانية الأصل تعني ما بعد أو ما وراء. فهذه السوائل تفوق كونها مجرد حالة للمادة، بل هي عبارة عن معلق (Suspension). وهي خلط بين سائل عادي وجزيئات صغيرة مصممة خصيصًا له. هذه الجزيئات عبارة عن كرات مجهرية مصنوعة من مادة مطاطية تسمى الإيلاستومير (Elastomer). تسمح هذه الكرات للسائل بالتغيير من حالته بناءً على الضغط الخارجي الممارس عليها.
فكّر في الأمر مثل كرة الضغط التي كلما زاد ضغط يدك عليها تقلصت وتشوهت وأصبحت أكثر صلابة. تتفاعل كرات الإيلاستومير بشكل مشابه تحت الضغط في السائل القابل للبرمجة. وهو الأمر الذي يغير من سلوك السائل بأكمله. فعند تعرضه لضغط خارجي ما تتكتل الكرات، مما يجعل السائل أكثر صلابة ومقاومة للتدفق.
إمكانات لا حصر لها: تطبيقات السوائل الفائقة القابلة للبرمجة
تفتح هذه القدرة على التحكم في خصائص السائل عالمًا من الاحتمالات. نعرض بعض التطبيقات المهمة كما يلي:
- امتصاص ذكي للصدمات : تخيل سيارات تحتوي على ممتص صدمات يتكيف مع مطبات الطريق. باستخدام السوائل القابلة للبرمجة، يمكن للسائل أن يتصلب عند التعرض لصدمة كبيرة، موفرا المزيد من الامتصاص، ثم يلين للصدمات الصغيرة من أجل قيادة أكثر سلاسة وحماية أكبر للسيارة.
- روبوتات قابلة للبرمجة: يمكن بناء روبوتات بحركات أكثر تكيفًا ومرونة باستخدام هذه السوائل. بحيث يمكنها أن تغير من لزوجتها (سمكها) للسماح بحركات أكثر دقة أو قوة. اعتمادًا على المهمة التي وكل إياها الروبوت.
- أجهزة التحكم بالضوء: تفتح القدرة على التلاعب بتفاعل الضوء مع السائل أبوابًا لأجهزة بصرية جديدة. تخيل نوافذ يمكنها التغيرمن شفافة إلى عاتمة، أو عدسات تضبط تركيزها تلقائيًا.
لا يزال البحث في السوائل القابلة للبرمجة في مراحله الأولى، لكن الإمكانات لا تنتهي. ولا يزال العلماء يبحثون عن أفضل الطرق للتحكم بهذه السوائل بفاعلية وتحسين استقراريتها؛ لكن يبقى شيء واحد مؤكد: ستحدث هذه السوائل القابلة للبرمجة ثورة في العديد من المجالات الأساسية ابتداء من الهندسة الى الطب.
من اعداد: جميل قروش