هندسة التصنيع المتقدم | تعرف على مستقبل الصناعة

هندسة التصنيع المتقدم | تعرف على مستقبل الصناعة

هندسة التصنيع المتقدم هي الثورة التكنولوجية الجديدة التي تشكل مستقبل الصناعة. فبالرغم من المشاكل والتحديات الاقتصادية التي تواجهها الدول مثل المخاطر الجيوسياسية وارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب وتقلبات أسعار النفط، الا ان التصنيع المتقدم يكشف عن فرصة جديدة لتطوير القطاع الصناعي بدون الحاجة الى تراكم البنية التحتية.

اذن فمستقبل الصناعة العالمية يكمن في التصنيع المتقدم الذي يعتمد على التكنولوجيا لزيادة الكفاءة والإنتاج بشكل أسرع وجودة أفضل وتحقيق الأرباح. سوف تكتشف في هذا المقال مفهوم التصنيع المتقدم والفرق بينه وبين التصنيع التقليدي، وكذلك فوائده وتقنياته والصناعات التي يستخدم فيها.

أهم ما جاء في هذا المقال

  • يكشف التصنيع المتقدم عن فرصة جديدة لتطوير القطاع الصناعي بدون الحاجة الى تراكم البنية التحتية.
  • التصنيع المتقدم هو منظومة رقمية ذكية تجمع بين عناصر عملية التصنيع من التصميم والهندسة والتصنيع وسلسلة التوريد والتوزيع والصيانة، وتجعل هذه المكونات متكاملة فيما بينها.
  • يوجد فرق بين التصنيع التقليدي والتصنيع المتقدم، فالأول يضيف قيمة بتحويل المواد الأولية الى منتجات نهائية بالاعتماد على تقنيات التصنيع اليدوية أو الآلية ويتمتع بمرونة قليلة أو معدومة. اما الثاني يعتمد على طرق إنتاج متعددة الاستخدامات تتميز بالفعالية والكفاءة ويتميز بالمرونة العالية.
  • تصنف التقنيات المستخدمة الى ثلاث مجموعات رئيسية: الإنتاج الفعال والإنتاج الذكي والتنظيم الفعال.
  • من أنواع التصنيع المتقدم التصنيع الإضافي، المواد المتقدمة أو المركبة، الأتمتة والروبوتات، التلحيم والمعالجة بالليزر، تكنولوجيا النانو، تكامل شبكة وتكنولوجيا المعلومات.
  • من فوائد التصنيع المتقدم: زيادة مستويات الجودة، تعزيز الإنتاجية، تشجيع الابتكار، تقليل وقت الإنتاج.

ما هو التصنيع المتقدم؟

التصنيع المتقدم (بالإنجليزية Advanced Manufacturing) هو منظومة رقمية ذكية تجمع بين عناصر عملية التصنيع من التصميم والهندسة والتصنيع وسلسلة التوريد والتوزيع والصيانة، وتجعل هذه المكونات متكاملة فيما بينها. أي استعمال التكنولوجيات المتقدمة والتقنيات الإبداعية في كل جوانب سلسلة خلق القيمة، انطلاقا من مفهوم المنتج الى غاية نهاية عمره الافتراضي.

أما (Manufacturing.gov) فتعرَّف التصنيع المتقدم بأنه “استخدام التقنيات المبتكرة لإنشاء منتجات حالية وإنشاء منتجات جديدة، بما في ذلك أنشطة الإنتاج التي تعتمد على المعلومات والأتمتة والحساب والبرمجيات والاستشعار والشبكات”. من الجدير بالذكر أن مفهوم التصنيع المتقدم يمكن ان يختلف من مجال الى مجال اخر، لذا من المهم تحديد المجال وحالاته عند تعريف التصنيع المتقدم.

وتهدف هندسة التصنيع المتقدم الى فتح المجال امام كل المواهب والدول للانخراط في تصنيع المنتجات، وتعزيز القدرة التنافسية للشركات، وتحسين جودة وعملية التصنيع، وخلق كفاءات أكبر.

الفرق بين التصنيع التقليدي والتصنيع المتقدم

التصنيع التقليدي أو العادي (Traditional Manufacturing) هو عملية تحويل المواد الخام أو الأولية الى منتجات نهائية مع إضافة قيمة باستخدام تقنيات التصنيع سواء اليدوية أو الآلية. وهو يعتمد على المصانع المخصصة وخطوط الإنتاج التي تتمتع بمرونة قليلة أو معدومة.

بينما التصنيع المتقدم يعتمد على طرق إنتاج متعددة الاستخدامات تتميز بالفعالية والكفاءة الكبيرة بفضل قدرتها على الاستجابة السريعة لمتطلبات الإنتاج المتغيرة والتخصيص الشامل. فالتصنيع المتقدم يتميز بالمرونة العالية نظرا لاستناده الى البحث والتطوير والإنتاج الديناميكي واستعمال التكنولوجيا للتوسع في مهارات العمل.

اليك أهم النقاط التي يوجد فيها تباين واختلاف بين التصنيع التقليدي والتصنيع المتقدم:

1. إستراتيجية الإنتاج

التصنيع التقليدي يعتمد على استراتيجية الإنتاج الضخم (Mass Production) أما التصنيع المتقدم فيصب جل تركيزه على العميل ومتطلباته، وبالتالي فان التصنيع المتقدم يوفر خيارات تخصيص للعميل (Customisation).

2. الهيكل التنظيمي

الهيكل التنظيمي لإدارة المؤسسة مختلف بين النوعين، فالتصنيع التقليدي يستخدم هيكل تنظيمي هرمي (Hierarchy)، بينما التصنيع المتقدم يستخدم هيكل تنظيمي مسطح (Flat) يسمح بالتدفق المفتوح والثابت للمعلومات.

3. القوة العاملة

في التصنيع التقليدي يوجد وفرة في العمالة غير الماهرة او شبه الماهرة وهو عادة ما يتطلب مهارات في الصب واللحام والقولبة واللحام بالنحاس والتشغيل الآلي وما يشابهها من مهارات. اما هندسة التصنيع المتقدم فهي تتطلب عمالة ماهرة وذات معرفة تقنية وتكنولوجية فهو أن يشتمل على التكنولوجيا المتقدمة كالطباعة ثلاثية الأبعاد وترسيب المواد وما إلى ذلك.

4. الاستثمار

التصنيع التقليدي يحتاج الى البنية التحتية ومساحة معتبرة لذا فان عائداته تستثمر في الإنتاج. في حين التصنيع المتقدم – كما رأينا – فهو لا يحتاج الى تراكم البنى التحتية، وبالتالي يضخ عاداته في البحث والتطوير والاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتكنولوجيا المعلومات.  

5. الخدمات اللوجستية

يوصل التصنيع التقليدي منتجاته من خلال القنوات واللوجستيات التقليدية مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية. لكن التصنيع المتقدم يستخدم إدارة سلسلة التوريد العالمية.

تقنيات التصنيع المتقدم

في التصنيع المتقدم، تصنف التقنيات المستخدمة الى ثلاث مجموعات رئيسية، وضمن كل مجموعة يوجد عدد من أنواع التصنيع المتقدم والذي سنتعرف عليه لاحقا في هذا المقال.

1. الإنتاج الفعال (Efficient Production)

يركز الإنتاج الفعال على الهندسة المتزامنة بدل الهندسة المتسلسلة، فهو يوظف التصميم والمحاكاة والنمذجة الفيزيائية والحاسوبية، بالإضافة الى تقنيات التحكم المتقدمة. تشمل تقنيات الإنتاج التي تستخدم في الإنتاج الفعال النماذج الأولية السريعة (Rapid Prototyping) وتصنيع الأشكال القريبة من الشبكة (Near Net Shape Manufacture) بالإضافة إلى تقنيات الصب الدقيق (Precision Casting) وغيرها.

2. الإنتاج الذكي (Intelligent Production)

ينصب التركيز في الإنتاج الذكي على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أنظمة التصنيع والأنظمة اللوجستية. الهدف من الإنتاج الذي هو استخدام مرافق الإنتاج أمثل استخدام، لإطالة عمرها من خلال المراقبة الفعالة والصيانة الدورية والإصلاح المحدث بانتظام.

3. التنظيم الفعال (Effective Organization)

يقوم التنظيم الفعال على التنسيق بين موارد التصنيع المادية والمعرفية لاستغلالها بشكل فعال. وهو يشمل الاستخدام في وحدات الحاضنات وإدارة المعرفة والتنظيم الجديد والمرافق المشتركة والتجارة الالكترونية. يساهم التنظيم الفعال في تعزيز قدرة ومشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة.    

أنواع التصنيع المتقدم

يوجد العديد من أنواع التقنيات المستخدمة في التصنيع المتقدم، ولا تزال هذه التقنيات في تطور مستمر. حيث اننا نشهد كل يوم تطوير أسواق تكنولوجيا جديدة. فيما يلي بعض أهم أنواع التصنيع المتقدم:

1. التصنيع الإضافي (Additive Manufacturing)

هذا النوع من التصنيع المتقدم يشمل الطباعة ثلاثية الابعاد (3D Printing) والطباعة بمسحوق الليزر (Powder-bed Laser Printing) ونمذجة الترسيب المنصهر (Fused Deposition Modeling). تسمح هذه التقنيات للمصنعين بتحديد نقاط الضعف المحتملة وتقليل الوزن ومشاكل التبديد الحراري، من دون اهدار الموارد المادية والمالية. القطاعات التي تستخدم التصنيع الإضافي هي الصناعات التي تحتاج الى نماذج أولية مثل صناعات الطيران والسيارات والصناعات الطبية والسلع الاستهلاكية.

2. المواد المتقدمة أو المركبة (Advanced/Composite Materials)

يسمح هذا النوع بالتلاعب في الخصائص الكيميائية والفيزيائية للمواد لإنشاء مواد مركبة متقدمة تتيح تطبيقات معينة وتحقيق المزيد من الأداء. تشمل المواد المركبة الخلطات عالية الدقة من الزجاج والمعادن والسيراميك والبلاستيك القابل للتدوير.

3. الأتمتة والروبوتات (Robotics/Automation)

بالتأكيد الروبوتات ضمن قائمة التصنيع المتقدم، فالروبوتات مصممة لأتمتة العمليات التي تتضمن رفع الاحمال الثقيلة والقيام بحركات دقيقة. الروبوتات تعمل بشكل متناسق وتحسن من اتساق وحدات الإنتاج. وهي ملائمة للمهام الخطرة وتقلل المخاطر على البشر. كذلك فان الروبوتات وأتمتة العمليات تقلل من النفقات العامة وتنتج منتجات أسرع وأرخص.  

4. التلحيم والمعالجة بالليزر (Laser Machining/Welding)

عملية التلحيم بالليزر تسمح بالمعالجة السريعة والدقيقة للأجزاء. ويقلل الحرارة المنقولة الى المادة للحفاظ على سلامة الأجزاء والتخلص من التشقق وتفادي الربط الضعيف بينها. يستخدم التلحيم والمعالجة بالليزر في صنع أوعية الضغط (Pressure Vessels) وتلحيم مستشعر القرب (Proximity Sensor Welding) ولحام البطارية والإلكترونيات الحساسة وغير ذلك الكثير.

5. تكنولوجيا النانو (Nanotechnology)

يهدف المصممون الى ابتكار أجهزة أصغر مع وظائف أكثر، وهو ما أصبح ممكنا بفضل تكنولوجيا النانو. تعد تقنية النانو اهم محرك للصناعات التي تعمل على تعبئة المزيد في مساحة أقل. تستخدم في التطبيقات الكيميائية والبيولوجية، حيث تسمح الجسيمات النانوية بتعزيز خصائص المواد والتأثير على التفاعل الكيميائي والتحكم في التحليل الطيفي للضوء وبالتالي زيادة الوظائف عبر خط الإنتاج.

6. تكامل شبكة وتكنولوجيا المعلومات (Network/IT Integration)

لتحقيق الربط والتكامل بين الأشخاص والمعلومات تستخدم الانترنت التي تمكن من الاتصال بين الأنظمة والأجهزة والآلات. ان دمج اتصالات الشبكة مع مكونات التصنيع والإنتاج يوفر تحكما الكترونيا بدل اليدوي. ويسمح بالمتابعة والتغذية الراجعة والاخطارات الفورية مما يقلل تكاليف الصيانة ويحسن الكفاءة الاجمالية ويتيح إجراء إصلاحات وقائية ويوفر المال والوقت.

القطاعات التي تستخدم التصنيع المتقدم

يتمتع التصنيع المتقدم بقيمة في كل الصناعات تقريبا، فهو يستعمل في الشركات المنتجة للروبوتات والسيارات الكهربائية والأدوية والأجهزة الطبية وهياكل الهواء والنماذج الأولية السريعة وغيرها الكثير. ومن القطاعات التي قطعت اشواطا متقدمة في استعمال التصنيع المتقدم نجد الصناعات الطبية والصيدلانية والصناعات الفضائية.

فوائد تقنيات التصنيع المتقدم

الغرض الأساسي من التصنيع المتقدم هو اكتساب الميزة التنافسية التي تحسن من انتاجك وتزيد من ارباحك. الا ان فوائده لا تقتصر على زيادة الإنتاج فقط، بل له العديد من الفوائد التي تمس:

1. زيادة مستويات الجودة

تحسين وزيادة مستوى الجودة من أهم ما ينتج عن التصنيع المتقدم. لأنه يستعمل الأتمتة والروبوتات فان معدل الخطأ البشري يؤول الى الانعدام. إضافة الى ذلك، فان التصنيع المتقدم يقلل كذلك من العيوب في المنتجات والتكلفة الناتجة عن ذلك. كما تسمح الأتمتة للعمال بالتركيز على المهام والقرارات الاستراتيجية.

2. تعزيز الإنتاجية

يتيح التصنيع المتقدم تعزيز الإنتاجية من خلال التحكم في الإنتاج بناء على احتياجات السوق، حيث يمكّن من انشاء المنتجات المخصصة على دفعات صغيرة او الإنتاج الضخم على نطاق واسع. فهو يزيد من السرعة والمرونة بفضل الترابط الرقمي الذي يوفره.

3. تشجيع الابتكار

التصنيع المتقدم يوفر فرصة لابتكار وتطوير المنتجات بطريقة غير مكلفة، مما يسمح للمصنعين بالتوسع في الابتكار وصنع منتجات مخصصة بدون القلل من التكاليف المرتفعة او جداول الإنتاج العادية.

4. تقليل وقت الإنتاج

التصنيع الرقمي (Digital Manufacturing) يزود المهندسين بقدرات كبيرة على انشاء مصانع رقمية ومحاكاة لعمليات الإنتاج قبل تنفيذها على ارض الواقع. وهو الامر الذي يمكّنهم من التخطيط المثالي لتفادي أي عيوب محتملة وبناء سلسلة انتاج فعالة. ولان المحاكاة الافتراضية تقلل وقت الإنتاج فانه يمكن إيصال المنتج الى السوق في وقت أسرع.

الأفكار الختامية

إذن فالتصنيع المتقدم هو الثورة القادمة ومستقبل الصناعة الذي يؤدي الى تكافؤ الفرص بين الشركات مهما كان نوعها والدول مهما كانت بنيتها الصناعية. فرصة تتمتع بالقدرة على تعزيز التصنيع والإنتاج إلى مستويات أسية إذا تم تنفيذها بالطريقة الصحيحة. ويبقى المزج بين التكنولوجيا والبراعة التحليلية البشرية هو مزيج لا يهزم!