تنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم أصبحت ضرورة للشركات خاصة ان التكنولوجيات والتقنيات المستعملة في عمليات التصنيع تتطور يوما بعد اخر. رافعة معها الابعاد التنافسية الى مستويات جديدة. وتنفيذ هذه التقنيات ودمجها في الاعمال القائمة ليس بالأمر السهل. فالعملية تتأثر بعدة عوامل وهي محفوفة بعدد من التحديات. لذا سنتعرف في هذا المقال على اهم العوامل والتحديات التي تلعب دورا أساسيا في التأثير على تنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم. كما سنقترح الخطوات والحلول لتنفيذ صحيح.
أهم ما جاء في هذا المقال
- توجد عدة عوامل تؤثر في تنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم يجب مراعاتها منها العوامل التكنولوجية (مثل مستوى الاستثمار التكنولوجي والتكامل المحوسب) والعوامل التنظيمية المؤسساتية (مثل الثقافة التنظيمية والهيكل التنظيمي واستراتيجية العمليات والموارد البشرية وممارسات الإدارة) والعوامل الداخلية والخارجية (مثل الحواجز والعقبات والدعم الحكومي).
- لابد من اتباع الخطوات التالية لتنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم بطريقة صحيحة: أولا، مزامنة إستراتيجية التصنيع مع إستراتيجية الأعمال. ثانيا، بناء شبكات لتحديد التكنولوجيات. ثالثا، تحديد الأولويات التكنولوجية وتقييمها. رابعا، التنفيذ السريع والاستراتيجي للتقنيات.
- أكبر التحديات التي يمكن ان تواجه الشركة عند ادخال تقنيات التصنيع المتقدم، تندرج ضمن فئتين رئيسيتين هما تحديات الموارد البشرية والتحديات التكنولوجية.
- من اهم تحديات الموارد البشرية الحاجة الى الموظفين الذين يتمتعون بمهارات تكنولوجيا المعلومات والتصميم على مستوى الإدارة والذين يتحملون المخاطر.
- من التحديات التكنولوجية الاستثمارات الكبيرة في البحث والتطوير التي تتطلبها تقنيات التصنيع المتقدم.
العوامل المؤثرة في تنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم
ان القرارات الجديدة التي تتخذها الشركات، لابد لها من دراسة مكثفة قبل الشروع في تطبيقها. وعليه فانه من المهم التعرف على العوامل التي تؤثر في تنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم من اجل اتخاذ أفضل القرارات التي تصب في صالح نمو أداء الشركة.
1. العوامل التكنولوجية
1.1. مستوى الاستثمار التكنولوجي
يتضمن التنفيذ الناجح لتقنيات التصنيع المتقدم التكيف المتبادل لكل من التكنولوجيا الجديدة للمؤسسة وتكيف المؤسسة مع التكنولوجيا. ان هذا التكييف يؤدي إلى تسهيل إنجاز التقنيات الجديدة وتجنب مشاكل الإدارة المرتبطة بتنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم.
2.1. التكامل المحوسب
ان ما يميز تقنيات التصنيع المتقدم هو القدرة على دمج أنظمة مختلفة لإنشاء نظام متكامل يمكن من خلاله التحكم في المعلومات والإنتاج بواسطة الكمبيوتر، دون الحاجة إلى تدخل بشري كبير.
3.1. طرق التبرير
من الواضح أن القرار الأول الذي تفكر فيه أي شركة في تبني تقنيات التصنيع المتقدم هو ما إذا كان هذا الاستثمار حكيمًا ام لا. إن التكاليف المرتفعة للأجهزة والبرامج للعديد من تقنيات التصنيع المتقدم وتعقيدات المشاكل التشغيلية والتنظيمية المتعلقة بتبني هذه الأنظمة تجعل التبرير اقتراحًا ضروريًا ولكنه صعب. بشكل عام، تم تصنيف طرق التبرير إلى ثلاث فئات من الأساليب:
- الأساليب الاقتصادية: تبريرها بناءً على خفض التكلفة أو توسيع السعة.
- الأساليب التحليلية: كثيرًا ما تهتم بالمرونة والمخاطر والفوائد غير الاقتصادية لتقنيات التصنيع المتقدمة.
- الأساليب الاستراتيجية: تميل إلى أن تكون أقل تقديرية او كمية مقارنة بالتقنيات الاقتصادية أو التحليلية. وعادة ما تتضمن تقديرات ذاتية للمؤشرات الرئيسية أو التدابير البديلة المتعلقة بالأهداف الاستراتيجية.
معظم الشركات تستخدم اسلوبا واحدا فقط، الاغلب هي طريقة اقتصادية بسيطة. أو تستخدم اساليب تبرير مختلطة (أي استراتيجية واقتصادية أو اقتصادية وتحليلية).
2. العوامل التنظيمية المؤسساتية
1.2. الثقافة التنظيمية
ترتبط الثقافة التنظيمية بالنتائج المرتبطة بتطبيق تكنولوجيا التصنيع المتقدم. مثل الفوائد التشغيلية والفوائد التنظيمية أو الإدارية والفوائد التنافسية والرضا. كما ان تأثيرات التنفيذ التي تعتمد على المرونة الثقافية قد تستغرق وقتًا أطول للحدوث، مثل الرضا العام أو الأداء التنافسي.
2.2. الهيكل التنظيمي
لقد وجد أن شركات التصنيع التي تتبنى تقنيات التصنيع المتقدم دون إعادة تصميم الهياكل والعمليات التنظيمية أولاً، تواجه صعوبات كبيرة. مع بروز تقنيات التصنيع المتقدم، غيرت الشركات الصناعية عمليات التصنيع الخاصة بها بشكل كبير من خلال اكتساب التقنيات الحاسوبية. غالبًا ما يُنظر إلى هذا التطور على أنه الأساس لثورة صناعية جديدة – أو وصول مصنع المستقبل – والشكل الجديد للهيكل التنظيمي.
3.2. استراتيجية العمليات
هناك اتفاق عام على أن استراتيجية العمليات واستراتيجية التصنيع تشتمل على أربع ابعاد تنافسية رئيسية هي التكلفة والجودة والمرونة والتسليم (أو الاعتمادية). وجميع هذه الأبعاد الأربعة مهمة في تنفيذ التقنيات الجديدة واكتساب الفوائد المتعلقة بها. حيث ان التركيز على بعد واحد لا يرتبط مباشرة بأداء تقنيات التصنيع المتقدم. لقد أبرز الإنجاز المتزامن للتكلفة والجودة والتسليم والمرونة من قبل العديد من الشركات (خاصة اليابانية) هذه الإمكانية الجديدة التي يمكن تحقيقها من خلال اعتماد تقنيات العمليات المتقدمة وتقنيات الإدارة.
4.2. الموارد البشرية وممارسات الإدارة
الموارد البشرية هي أحد الأصول لأي مؤسسة. وبطبيعة الحال فان تقنيات التصنيع المتقدم ستزيد من المؤهلات المطلوبة لدى العمال. كما ستمنحهم مزيدًا من الاستقلالية في معالجة العمليات بما في ذلك التخطيط وحل المشكلات. تشير الدراسات إلى أن أنشطة التخطيط والتنفيذ التي تهدف إلى إعداد العمال لاعتماد تقنيات التصنيع المتقدم، تلعب دورًا مهمًا في ضمان استغلال مزايا هذا النظام الجديد. وبالتالي، يكمن التحدي الرئيسي لعمليات التنفيذ الناجحة في المستقبل في تلبية الاحتياجات التي تفرضها تقنيات التصنيع المتقدم على الموارد البشرية.
3. العوامل الداخلية والخارجية
1.3. الحواجز والعقبات
يحتاج التنفيذ الناجح لمشاريع تقنيات التصنيع المتقدم إلى جهود دؤوبة لدمج أنظمة التشغيل والتنظيم لدعم هذه العمليات. يمكن أن يؤدي إدخال تقنية جديدة إلى تقليل الأداء عندما تكافح المؤسسة في البداية لاكتساب المهارات والمعرفة المطلوبة. على سبيل المثال، قد يكون هناك تأخر كبير بين تثبيت التكنولوجيا الجديدة والاستفادة منها.
2.3. الدعم الحكومي
ذكرت مجموعة من الشركات أنها لم تكن لتشرع في المشروع على الإطلاق، أو لا تبدأ في ذلك الوقت، بدون الدعم العام. وتلعب برامج الدعم الحكومي دورا في ذلك. حيث ان هذه البرامج وما تقدمه من الدعم المالي المباشر ودعم في المعلومات أو الاستشارات وما إلى ذلك، تؤثر على القدرة التنافسية للشركات في تعزيز حصتها في السوق، وتفتح فرصًا جديدة مهمة وتسمح للشركات بالتعامل مع التحديات الاستراتيجية في بيئتها.
الخطوات الرئيسية لتنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم
تقنيات التصنيع المتقدم ليست بتكنولوجيا مستقلة يتم تطبيقها بشكل مباشر بدون الاخذ بعين الاعتبار العديد من الامور، بل هي تعتمد على كفاءة الأشخاص والعمليات. لذا لابد من اتباع الخطوات التالية لتنفيذها بطريقة صحيحة:
1. مزامنة إستراتيجية التصنيع مع إستراتيجية الأعمال
لابد ان تمتلك الشركة استراتيجية تصنيع مدروسة جيدًا ترتبط بقوة باستراتيجية الاعمال. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تحديد جوانب مثل المهلة الزمنية وجودة المنتج ومرونة التصنيع والتكاليف المترتبة عن الفئات المختلفة للعملاء. بمجرد تحديد هذه الجوانب وجمع بياناتها كمياً، يمكن استخدام البيانات من هاتين الاستراتيجيتين لإنشاء أهداف تصنيع مبتكرة. في المقابل، ستساعد المعرفة المستقاة من البيانات في الإنفاق الرأسمالي وقرارات الاستثمار لاعتماد تقنيات التصنيع المتقدم وتنفيذها.
يجب ان تعدد استراتيجية التصنيع الظروف التي يجب تعليق الاستثمارات عند حدوثها. لان هذا سيسمح بمنع اجهاد البنية التحتية وتفادي نسيان المشاريع.
من التحديات التي يمكن ان تواجه الشركة في خطوة مزامنة استراتيجية التصنيع مع استراتيجية الاعمال:
- صعوبة وصول الإدارة إلى النوع الصحيح من البيانات حول احتياجات العمل وخيارات التكلفة المختلفة لتحقيق أهداف العمل. يمكن التعامل مع هذه المشكلة من خلال الاستثمار في الحصول على البيانات القوية والقدرات التحليلية.
- الانفصال بين الإدارات المختلفة واستراتيجياتها والحوافز الممنوحة للموظفين. يمكن التعامل مع هذه المشكلة من خلال التأكد من أن حوافز كل قسم من اقسام الشركة تتماشى مع العمل المنجز. يجب أن تظل قنوات التعليقات مفتوحة في جميع الأوقات لتقليل سوء التواصل بين الإدارة والاقسام الأخرى.
2. بناء شبكات لتحديد التكنولوجيات
تحتاج الشركات إلى بناء شبكات داخلية وخارجية قوية لتحديد التقنيات الجديدة ذات الصلة بصناعتها. والشبكة تضم الشركات ومزودي تقنيات التصنيع المتقدم والحلول التقنية. يعد تنوع الشبكة أمرًا حاسمًا أيضًا لنجاحها.
ولان الحصول على تقنية أحدث نسبيًا ذات إمكانيات مع قدر قليل من المخاطر يمكن أن توفر عوائد كبيرة للشركة، فلا حاجة للالتزام بالعلامات التجارية الكبيرة التي ليست الخيار الصحيح لشركتك. ومن اجل بناء هذه الشبكات، لابد ان توضع الاعمال في الإطار الصحيح مع أهداف واضحة لأعضاء الشبكة. كما يجب أن تكون الفوائد واضحة لهم. ويجب قياس أداء الشبكة بانتظام مقابل مجموعة من مقاييس المدخلات والمخرجات الكمية.
3. تحديد الأولويات التكنولوجية وتقييمها
يحتاج كل نشاط تجاري إلى مجموعة قوية من العمليات المطبقة لتحديد التكلفة والمزايا لكل خيار تقني عند مقارنته باستراتيجية أعمال الشركة. يجب الإشراف على هذه العملية من قبل المديرين التنفيذيين المهرة الذين يتحملون المخاطر ويمكنهم قيادة الابتكارات في الاتجاه الصحيح. يجب أن يكون هؤلاء المدراء التنفيذيون مستعدين أيضًا للتخلي عن التقنيات الفاشلة عند الحاجة. سيحتاج هؤلاء المسؤولون التنفيذيون أيضًا إلى دعم المحللين المتخصصين الذين يمكنهم تزويدهم بالبيانات الصحيحة ويمكنهم التنبؤ بتأثير التكنولوجيا خلال الفترة الانتقالية.
4. التنفيذ السريع والاستراتيجي للتقنيات
تتطلب الأعمال تجريبًا سريعًا للتقنيات جديدة. وبالرغم من ذلك، تظل معظم الشركات قلقة ومتخوفة بشأن تنفيذ التقنيات الجديدة وتميل إلى الانتظار حتى فوات الأوان. من الصعب على المديرين التنفيذيين في الشركة تحقيق التوازن بين الأداء اليومي للمؤسسة أثناء القيام بالبحث والتطوير مع التقنيات الجديدة. تتمثل طريقة التعامل مع هذا في إنشاء فريق متخصص صغير يمكنه العمل بشكل مستقل على جانب البحث والتطوير في التقنيات الجديدة. بهذه الطريقة، يكون إدخال التقنيات المتقدمة إلى الشركة أسهل.
التحديات والحلول في تنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم
أكبر التحديات التي يمكن ان تواجه الشركة عند ادخال تقنيات التصنيع المتقدم، تندرج ضمن فئتين رئيسيتين هما تحديات الموارد البشرية والتحديات التكنولوجية.
1. تحديات الموارد البشرية
- الحاجة الى الموظفين الذين يتمتعون بمهارات تكنولوجيا المعلومات والتصميم على مستوى الإدارة والذين يتحملون المخاطر.
- إن ضمان قدرة كبار الموظفين على ترقية مهاراتهم الفنية والتجارية يمثل تحديًا.
- يجد أرباب العمل صعوبة متزايدة في توظيف المهنيين المهرة.
- الحاجة الى المعرفة في مجال تكنولوجيا المعلومات مثل فهم برامج التصميم بمساعدة الحاسوب (CAD) والتصنيع بمساعدة الحاسوب (CAM) والبرمجيات القائمة على آلة التصنيع باستخدام الحاسب الالي (CNC Machining).
- مهارات التصميم المتقدمة مطلوبة لعمليات الإنتاج القصيرة والمخصصة.
2. التحديات التكنولوجية
- تتطلب تقنيات التصنيع المتقدم استثمارات كبيرة في البحث والتطوير. هناك أيضًا عامل مخاطرة عالية نسبيًا تتخذه الشركات، والذي يؤثر أحيانًا على صنع القرار وعلى الابتكار.
- في العديد من الحالات، قد تجد الشركات صعوبة في الوصول إلى مواد معينة، أو تجد صعوبة في فهم خصائص المواد. يمكن أن تكون تقنيات التقييم ومعالجة التصاميم معقدة أيضًا في الإنشاء والتطبيق.
- غالبًا ما لا تواكب قدرة المحاكاة (Simulation) التي تتبناها الشركة التطور التكنولوجي، مما يتسبب في حدوث تأخيرات.
- هناك حاجة إلى مزيد من استثمارات الأمن السيبراني لمواكبة الابتكارات التكنولوجية.
للتعامل مع هذه التحديات، يمكن للشركات اعتماد العديد من الحلول الممكنة والتي منها:
- الاستثمار في تطوير فريق من المحترفين على دراية جيدة ببرامج التصميم.
- تقديم المزيد من التدريبات المهنية مع حوافز أفضل في الأجور والترقيات في الوظائف الفنية عالية المستوى.
- يمكن للشركات أن تبدأ بتنفيذ تقنيات التصنيع المتقدم في القطاعات منخفضة المخاطر، والتي يمكن فيما بعد تطبيقها تدريجيًا على بقية قطاعات الشركة. تساعد هذه الطريقة التدريجية الشركات على فهم التحديات المحتملة وحلها قبل ان تتفاقم.
الأفكار الختامية
لقد برهنت تقنيات التصنيع المتقدم على قدرتها على إضافة قيمة كبيرة في عمليات سلسلة خلق القيمة. وهي تمثل جزء محوريا في استراتيجية التحول الرقمي الذي بات ضرورة ملحة للشركات مهما كان حجمها. في الأخير يجب ان لا ننسى ان القيادة الإدارية الاستراتيجية تمثل عاملا لا يمكن الاستغناء عنه في رحلة القرارات هذه.