في عالم الساحرة المستديرة فان كأس العالم لكرة القدم هو البطولة الاغلى التي ينتظرها العالم بأسره كل أربع سنوات. ولمدة حوالي الشهر نعيش اثناء البطولة أفضل اللحظات الحماسية والتشويقية. وبإجماع من الجميع فان كأس العالم لسنة 2022 الذي أقيم في دولة قطر كان حدثا ثوريا بامتياز. ليست فقط من الناحية الرياضية والكروية بل بفضل التكنولوجيا والتقنيات التي استعملت في هذه الدورة وحققت نجاحا باهرا. لنتعرف على تكنولوجيا مونديال قطر 2022.
أهم ما جاء في هذا المقال
- استخدمت قطر العديد من الابتكارات التكنولوجية في كأس العالم لكرة القدم 2022 والذي استضافته الدوحة من 20 نوفمبر الى 18 ديسمبر 2022.
- “الرحلة” هي كرة القدم الذكية التي تحتوي على مستشعرات بداخلها لمساعدة حكام VARعلى الكشف عن حالات التسلل وتحديد الأهداف غير الواضحة.
- التسلل نصف الالي هو تقنية تعمل من خلال 12 كاميرا موزعة على سقف الملعب والذكاء الاصطناعي، تقوم بمراقبة اهم النقاط للاعبين للكشف عن حالات التسلل.
- تقنية تبريد الملاعب هي طريقة مبتكرة لتكييف الملاعب، حيث تم التحكم في تصميم الملعب لخلق فقاعة هوائية، وتزويد الملعب بفوهات كبيرة نسبيا لتوجيه الهواء البارد نحو اللاعبين، فيما وضعت فتحات أخرى صغيرة تحت مقاعد الجماهير وقد صممت الفتحات بطريقة تسمح للهواء بالخروج بطريقة انسيابية.
- بونوكل هو منصة بريل (braille) ترفيهية خاصة بالمكفوفين وضعاف البصر، سمحت منصة بونوكل بتغطية كل المحتوى الرقمي عن كأس العالم وتوفيره بلغة البريل.
- الملاعب القابلة للتفكيك هي استراتيجية مستدامة انتهجتها قطر حيث جهزت 8 ملاعب عالمية بتقنيات مستدامة يمكن تفكيك كل المواد التي صنعت منها وإعادة استخدامها. ولعل أبرز ما تميز من التحف المعمارية هو استاد 974 (Stadium 974).
- بوابات الكترونية في الملاعب تقوم برصد وعد الجماهير والإعلاميين والصحفيين.
- تطبيق فيفا+ المزود بالذكاء الاصطناعي الذي يعتبر ثورة في تفاعل الجماهير.
7 ابتكارات مدهشة في مونديال قطر 2022
منذ تم الإعلان عن فوز قطر بشرف استضافة كأس العالم، وهي تسابق الزمن لتوفر أفضل تجربة عرفها كأس العالم اطلاقا. بالاعتماد على الأنظمة التقنية الحديثة سواء على مستوى التنظيم او للمشجعين او على مستوى كرة القدم من ملاعب. وبكل فخر فقد حقق مونديال قطر المعجزات، والذي امتد من 20 نوفمبر الى 18 ديسمبر 2022. قبل كل شيء هذا المونديال هو اول بطولة لكأس العالم تقام في دولة عربية. كما انه مونديال “الأول مرة” للعديد من الأمور والتقنيات التي سنتعرف عليها.
1. كرة القدم الذكية “الرحلة” (A revolutionary World Cup ball)
اخذت كرة البطولة لمونديال قطر 2022 اسم “الرحلة” (Al Rihla) تباعا للصبغة العربية التي طبعت هذه النسخة من كأس العالم. وقد طورت شركة أديداس (Adidas) كرة “الرحلة” الثورية. والتي تحتوي بداخلها على مستشعرات للاتصال المباشر مع الحكام المساعدين (VAR). لمساعدتهم على الكشف عن حالات التسلل غير الواضحة للعين المجردة وتحديد دخول الكرة للمرمى من عدمه.
يعتبر هذا المنتج الثوري الذي طورته شركة اديداس لمونديال قطر بالتعاون مع الفيفا (FIFA) وشركة كينيكسون (KINEXON) المتخصصة في شبكات الاستشعار. والذي تم اطلاقه في شهر مارس 2022 منتجا يستعمل لأول مرة في تاريخ كأس العالم.
سميت التقنية المستعملة في الكرة الذكية “الرحلة” بنظام اديداس للتعليق (Adidas Suspension System). وتقوم بإمداد بيانات فورية عند لمس اللاعب للكرة تصل سرعتها الى 500 مرة/الثانية حيث انها تحتوي على مستشعر الحركة بوحدة القياس بالقصور الذاتي (IMU) 500 هرتز. وتم اعتماد هذه التكنولوجيا في الكرة بدون جعلها ملاحظة من قبل اللاعبين لمنع حدوث أي تأثير على أدائهم. وتحتوي كرة الرحلة على بطارية لتغذية المستشعر يمكن شحنها عن طريق الشحن بالحث او التأثير (Induction).
2. التسلل نصف الالي (Semi-automated Offside Technology)
تعمل هذه التقنية على مساعدة المسؤولين والحكام المساعدين (VAR) على اتخاذ القرار والكشف عن حالات التسلل في غضون ثواني. وتعمل تقنية التسلل نصف الالي بواسطة 12 كاميرا منصّبة أسفل سقف الملعب بالإضافة الى كرة القدم الذكية. حيث تراقب التقنية اهم أجزاء جسم اللاعبين مثل القدم والرأس والركبة والصدر وتحديد تموقعها. ثم يتم دمج هذه المعلومات بالمعلومات الملتقطة عن طريق كرة القدم، ومن ثم تحليلها بالذكاء الاصطناعي للمقارنة بين موقع اللاعب اثناء تمرير الكرة مع اللاعب الخصم فيتم اتخاذ القرار في ثواني معدودة. تسمح تقنية التسلل نصف الالي بالتخلي عن عمليات إعادة التشغيل بتقنية الـ VAR والتي كانت تستغرق وقتا.
3. تقنية تبريد الملاعب (Advanced Stadium Cooling Tech)
لاقت دولة قطر تحديات كبيرة من أجل قبولها استضافة كأس العالم. ومن بين التحديات ارتفاع درجة حرارة المنطقة والتي شكلت تخوفا بالرغم من ان قطر كانت أبرز المترشحين والسبب يعود الى إمكانية التأثير السلبي للحرارة على أداء اللاعبين. الا ان قطر قد أدرجت حلين في ملف التقديم، تمثل أولها في تأجيل البطولة الى فصل الشتاء (وكان ذلك قبل حدوث التأجيل بفعل جائحة كورونا) او استعمال تقنية تبريد الملاعب.
وبالفعل فقد تم استعمال تقنية التبريد المبتكرة وبذلك تكون قطر هي الأولى على مستوى العالم التي تقوم بتبريد ملاعبها. تكمن تقنية التبريد في التحكم في تصميم الملعب من اجل خلق فقاعة ومنع الهواء الساخن من التسرب الى داخل الملعب. ومن اجل جعل تقنية التبريد أكثر كفاءة واقل كلفة فقد ركز المهندسون على المساحة التي تضم اللاعبين والمدرجات. ووضعت فوهات كبيرة نسبيا لتوجيه الهواء البارد نحو اللاعبين، فيما وضعت فتحات أخرى صغيرة تحت مقاعد الجماهير وقد صممت الفتحات بطريقة تسمح للهواء بالخروج بطريقة انسيابية. سيكون هناك مركز للطاقة بالقرب من الاستاد، حيث يتم تدوير المياه المبردة في خط أنابيب إلى الملعب.
كما تم تصغير سقف الملاعب لضمان تفادي دخول الهواء الساخن. واهتمت التحسينات بكل التفاصيل لتحقيق حلول مستدامة، فتم تغيير لون واجهة الملعب الى لون داكن ما جعل درجة الحرارة تنخفض بشكل ملحوظ.
تم استعمال تقنية التبريد في كل الملاعب السبعة الا ملعب 974 الذي يتمتع بتهوية طبيعية نظرا لقربه من الساحل. اما بقية الملاعب فاعتمدت فيها تقنية توزيع الهواء التي تعتمد على تدوير الهواء المبرد الموجود في الاستاد بالفعل بدون سحب الهواء خارج الملعب.
4. بونوكل (Bonocle)
لم يستثني مونديال قطر أي أحد ومنح فرصة الاستمتاع للجميع وبذلك حققت قطر بطولة أكثر شمولا. فقد سهر المنظمون على استخدام تطبيق بونوكل وهو منصة بريل (braille) ترفيهية خاصة بالمكفوفين وضعاف البصر. الابتكار عبارة عن جهاز صغير يحمل باليد الا ان امكانياته غير محدودة. صمم جهاز بونوكل بثلاثة ازرار ولمسات متعددة تسمح للمكفوفين بالقراءة والكتابة والعد وأخذ القياسات أو حتى ممارسة الألعاب.
اثناء المونديال وفر جهاز بونوكل للمكفوفين تجربة تسمح لهم بالتنقل في الدوحة بأقل الصعوبات والتفاعل والتحرك بكل أرياحية. وسمحت منصة بونوكل بتغطية كل المحتوى الرقمي عن كأس العالم وتوفيره بلغة البريل مما يسهل على المكفوفين وضعاف البصر بالاستمتاع بالمونديال.
ويذكر ان بونوكل هو نتيجة لتحدي 22 وهو مسابقة في الابتكار التكنولوجي الذي أطلقته الهيئة العليا للمشاريع والارث.
5. الملاعب القابلة للتفكيك
وفرت قطر ثمانية ملاعب لكأس العالم هي:
- إستاد البيت
- إستاد لوسيل
- ملعب المدينة التعليمية
- ملعب الجنوب
- ملعب أحمد بن علي
- ملعب الثمامة
- ملعب خليفة الدولي
- إستاد 974
الا ان قطر قد انتهجت استراتيجية مستدامة حيث ان اغلب الملاعب سيتم تفكيكها بعد انتهاء البطولة. ولعل السؤال الأبرز هو:
ما هو سبب تفكيك الملاعب بالرغم من المليارات الدولارات التي صرفت لبنائها وما الذي سيحدث لها بعد التفكيك؟
قطر دولة ذات رقعة جغرافية صغيرة وكثافة سكانية ضئيلة. لذا فان هذا الكم الكبير من الملاعب التي ستستعمل لمدة شهر واحد ثم تهجر هو خسارة مالية وجغرافية كبيرة. وقد برهنت على ذلك التجربة السابقة لدول استضافت المونديال من قبل. فعلى سبيل المثال البرازيل بعد استضافتها لمونديال 2014 لم يتم الاستفادة من ملاعبها.
وعليه لجأت قطر الى فكرة مبتكرة وثورية هي بناء ملاعب قابلة للتفكيك، حيث بقيت قطر وفية للاستدامة فجهزت ملاعب عالمية بتقنيات مستدامة، ولعل أبرز ما تميز من التحف المعمارية هو استاد 974 (Stadium 974) وهو اول ملعب قابل للتفكيك بشكل كلي في تاريخ كأس العالم. تم تشييد الملعب باستخدام حاويات الشحن التي بلغ عددها 974 وهو مصدر الاسم بالإضافة الى الأطر الفولاذية المعيارية. تصميم الاستاد يجعله جذابًا بصريًا مع ضمان الفعالية من حيث التكلفة أيضًا، نظرًا لاستخدام مواد أقل مقارنة بالإستاد التقليدي. استضاف ملعب 974 سبعة مباريات وبدأ اشغال تفكيكه قبل انتهاء البطولة.
الا ان ملعب 974 ليس الوحيد، فكل الملاعب تم تشييدها بنظام الأبنية المستدامة، وعليه يمكن تفكيك كل من المقاعد والاسقف والجدران وأنظمة التبريد.
ماذا سيحدث للملاعب بعد تفكيكها؟
- ملعب 974: سيتم استخدام الحاويات في التجارة والملاحة البحرية، وموقعه سيستخدم كموقع تجاري.
- ملعب لوسيل: سيتم تقليل عدد المقاعد وتحويل الجزء العلوي الى وحدات سكنية اما الجزء العلوي الى مرافق مع المحافظة على شكله الخارجي.
- ملعب البيت: سيتم تحويله الى مستشفى طب رياضي وفندق ومركز للتسوق.
- ملعب الثمامة: سيتم تحويلة الى مستشفى طب العظام والطب الرياضي.
- ملعب المدينة التعليمية: سيتم اهداءه الى الفرق الجامعية والى المنتخب القطري للسيدات.
- ملعب الجنوب: سيتم تفكيك التكييفات ومنحها للدول المستضيفة لكأس العالم في سنة 2026، اما الملعب فسيصبح مركز لنادي الوكرة الرياضي.
- ملعب أحمد بن علي: سيصبح مركز لنادي الريان القطري.
- ملعب خليفة الدولي: فسيتم الابقاء عليه.
6. البوابات الالكترونية وتقنية الرصد
زودت الملاعب ببوابات الكترونية تقوم بإحصاء المشجعين عن دخولهم وخروجهم من الملاعب. فيما تم توفير أجهزة لرصد الصحفيين والإعلاميين وكذا العاملين في المباراة والتأكد من امتلاكهم لتصريح. كما ان تقنية الرصد تسمح بالتأكد من خلو الملاعب قبل اغلاقها.
7. تطبيق فيفا+ (FIFA+) والتحليل اللحظي
تتوفر كل ملاعب قطر على شبكة الانترنت (Wi-Fi) من الجيل الخامس (5G) بسرعة فائقة حيث تنتشر شاشات تحتوي على باركود (Barcode) قابل للمسح للاتصال بالشبكة، بالإضافة الى شاشات تستعرض بيانات اللاعبين والفريقين. إضافة الى ان الفيفا أطلقت تطبيق فيفا+ الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لاستعراض الإحصاءات والخرائط الحرارية ولقطات من زوايا مختلفة، وكل هذه الميزات متوفرة للإعلاميين والصحفيين على حد سواء. ويعتبر تطبيق فيفا+ الذي يستخدم لأول مرة في العالم في مونديال قطر 2022 ثورة في تفاعل الجماهير.
أفكار ختامية
بالعلم والتكنولوجيا نجحت قطر في استضافة أفضل نسخة من بطولة كأس العالم في تاريخ كرة القدم على الاطلاق. والابتكارات التي ذكرناها في هذا المقال ليست الا غيض من فيض.